الرئيسية » » فتى المعتقل (٥) - شعورٌ بالقرف | ديمة محمود

فتى المعتقل (٥) - شعورٌ بالقرف | ديمة محمود

Written By Unknown on الاثنين، 22 يونيو 2015 | 9:04 م

فتى المعتقل (٥) - شعورٌ بالقرف =========== حدّثهم عن ذلك العجوز مُنهكِ القوى مترامي الأطراف ذائبِ الخلايا مفتّت الإحساس متقطّعِ الوجود مبعثرِ الجسد مُبدّد الكينونة الذي ما عاد قادراً على الوقوف ولا الحركة ولا السمع ولا الرؤية ولا اليقظة ولا النوم و لا التفكير ولا الكلام لا شيء .. لا شيء وغدت أنفاسُه تحبو تارةً وتتراجعُ تارة وتترنّحُ تارات تتسنّدُ أنفاسُه لتقوم فما تلبثُ أن تقع لتلامسَ شرايينَه الكائنةَ في طبقةِ اللحمِ الرقيقةِ التي بالكاد تلبسُ عظامه في أحيان أخرى أنفاسُه تركضُ بسرعة بين محاولةِ القيامِ والسقوطِ فما تلبثُ أن تهوي ترتطمُ بشدةٍ بعظامِه النحيلةِ المتآكلة الأنفاسُ المحطّمة تتخلّلُ هامدةً في جوفِ كلِّ خليةٍ من خلايا جسمِه الواهنِ صوت الارتطام يرنُّ في أذنيك أنت لايسمعُه هو لأنه صار يعيشُ ميتاً أو أنه يموتُ بينكم وهو حيّ إنه مافتىء يحتضر كلَّ دقيقتين رغمَ أنه بين جنبي القبر! صار العجوزُ بينَ بين ليس ميتاً وليس حيّاً سيرهُ في الطريقِ المتعرّج بين الحياةِ والموت أضناه جعله أشلاءً لشبه كائنٍ حيّ لكنه غيرُ كائن و غيرُ حيّ إنّه هلامٌ لفحيحٍ يراوحُ بين اللّدغِ والاضمحلال أتذكّرُ كيف استغاث بك لتمسكَ له الوعاءَ ويقضيَ حاجتَه تشاغلتَ عنه مرّةً لينصرفَ عنك فلم يفعلْ وألحّ وتظاهرتَ بالنوم مرّةً لينصرفَ عنك فلم يفعلْ وألحّ وآثرت الأنينَ مراتٍ وصرخت من آلامِك علّه ينصرفُ عنك فلم يفعلْ وألحّ تذْكرُ أنت؟! أنا أذكر.. دار رأسُك حول نفسِه و اختلّ اتزانُك وتمايلتْ بك الأحجارُ المرصوفةُ في أرضِ المكان المُتغوّل شعرتَ باشمئزازٍ وتّقزّز أيُّ قرفٍ سرى في كرياتِ دمِك كريّةً كريّة وأيُّ رعشةٍ هزّت أطرافَك صارعتَ رغبتَك في التقيؤ مـراتٍ ومرات فغلبتَها أحياناً لكنها غلبتْك أحياناً أكثر فتقيأتْ! تملكتْك الرغبةُ بالخلاص تمنيتَ لو أنك متّ ثم ّ عُدت ثمّ متّ ثم عُدت و متّ ألفَ مرةّ دون أن: تتلوثَ يداكَ ببوله وها أنتَ حتى اليوم مسكونٌ بالوسواسِ مازلت تغسلُ يديكَ كلَّ ساعةٍ أو ساعتين دونما سبب إلا أن يعتريك القرفُ من قـطـراتٍ بولِه التي مازلتَ متيقّناً من وجودها في راحتي يديكَ وبين أصابعِك أنيابُ البؤس تتمدّد يغرز أظفاره في بيت العنكبوت المعشّش عند الكوّة السوداء رفاقُ مهجعِك كلُّهم هَرِمون كلُّهم منهكون كلُّهم عاجزون أكلَهم المرض واقتاتتْ عليهم السياط تجرّعوا قُيوحها والصديد لم تُبقِ منهم إلا الفتات وأنت في أعينِهم الأقوى رغم خوَرك والأنين يستغيثون بك لقضاء حاجاتهم و غاب عنهم أنك تشعرُ بالقرف!!!


التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.